استثمار كفاءات الخارج ضمان مستقبل التّنمية في العراق الجديد

استثمار كفاءات الخارج ضمان مستقبل التّنمية في العراق الجديد

أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
المستشار الثقافي العراقي – المملكة الأردنية الهاشمية
 بدأ تاريخ مؤسّسات التّعليم العالي في العراق عام 1908بتأسيس كليّة الحقوق(مدرسة الحقوق سابقا)، وتبعها بعد ذلك بسنين قليلة تأسيس كليّات أخرى،مثل دار المعلمين العالية (التّربية حاليّاً) والطّب عام 1927 التي اتّبعت نظام الكليّة الطّبيّة الملكيّة البريطانيّة ومناهجها، ثم بعد ذلك أُفتتحت كليّات أخر،ثم جاء عام1957،وكان إعلان تأسيس جامعة بغداد،وقد ضمّت في حينها تسع كليات،هي الحقوق والهندسة والآداب والتّجارة والزّراعة والطّب البيطريّ، وأُلحقت بها معاهد عالية، هي: معهد العلوم الإداريّة ومعهد اللغّات ومعهد المساحة ومعهد الهندسة الصّناعيةّ العالي ومعهد التّربية البدنيّة.علماً بأنّ جامعة الحكمة اليسوعيّة قد سبقتها في التّأسيس بعام .وفي عام 1967 أسّست جامعتا البصرة والموصل، واستمرّت المسيرة الطّويلة للجامعات الحكوميّة والأهليّة إلى عام 2003،حيث أصبح عددها 25 جامعة،وقد تجاوز عددها في الوقت الرّاهن خمسين جامعة.
ولاشكّ في إنّ استهداف الأكاديميين العراقيين بالقتل والتّشريد بعد عام 2003 أُريد به استمرار أزمة التّعليم العالي والجامعات،كما هدف إلى إيقاف مخطّطات التّنميّة البشريّة بغرض تناسي الأزمة الحقيقيّة من تهديم وتخريب وإفساد،وهي أزمة تعود إلى 25 سنة خلت قبل سقوط النّظام السّابق في العراق، وهي أزمة تشكّلت ونمت واستفحلت بسبب التّمييز والتّفرقة والحروب وعسكرة الجامعات وتسيسها ، إضافة إلى العزلة الدّوليّة وعدم التّواصل مع الجامعات والمؤسّسات العلميّة العالميّة،فضلاً عن استمراريّة تفشّي الفساد بمختلف أشكاله وصوره وتفاقمه في التّسعينات من القرن الماضي لاسيما في حقبة ما يُسمّى بالحصار الاقتصاديّ،حيث تفشّت ظاهرة الرّشوة والمحسوبيّة والغشّ الذي لم يكن موجوداً في شتّى دوائر الدّولة العراقيّة قبل ذلك.كذلك فقد زُجّت الكوادر غير المؤهلة علميّاَ وتربويّاً أو أخلاقيّاً في المؤسّسات التّربويّة والتّعليميّة ليكونوا أداة فعّالة في تراجع مؤسسات رصينة اعتمدت على نظم علميّة متبعة نظيراتها من مؤسسات علميّة لدول متقدمة، وقبلها تمّ إقصاء مجاميع من الكوادر العلميّة والمهنيّة من ذوي الشّهادات العليا والمشهود بتميزهم وكفاءاتهم، وكانت بدايتها في المدة بين 1969 ولغاية 1984. ومن ضمن اسباب تفاقم الوضع هو عزوف المئات من المبتعثين عن العودة إلى الوطن في الفترة الممتدّة بين 1980-1988 لتخوّفهم من زجّهم في محرقة الحرب الإيرانيّة. وشهدت الفترة الممتدّة بين 1990-2000 هروب الآلاف من الكفاءات لأسباب اقتصاديّة وتعسفيّة،وهذا الأمر بالتّحديد كان السّبب الرّئيس في الانكسار الحقيقي في المؤسّسات التّربويّة والتّعليميّة، إذ بلغ ما يتقاضاه التّدريسي في الجامعات ممن لديه خدمة لأكثر من عشر سنوات مبلغ خمسة دولارات شهريّاً لاغير!
وقد بلغ عدد الكفاءات التي غادرت العراق في عقد التّسعينات من القرن الماضي 7350 عالماً في شتّى التّخصّصات.وكانت وجهاتهم في البدء هي ليبيا والأردن واليمن ودولة الإمارات العربيّة المتحدة، ليتجهوا لاحقاً إلى أمريكا وكندا وبريطانيا والدّول الإسكندنافيّة.وقد بلغت نسبة حملة الشّهادات العليا بين أفراد الجالية العراقيّة في بريطانيا 23%، وأمّا نسبة حملة الشّهادات الجامعية فتقدّر بـ75 %.ويقدّر عدد أطباء الاختصاص العراقيين في بريطانيا بأكثر من 4000 طبيب.
وقد انحرفت أهداف التّعليم العالي وانحطّت لتغدو مجرد تعليم سطحي لمنح شهادات معظمها لا تؤهّل الخريج لاحتياجات سوق العمل فضلاً عن عدم تبنّي الإبداع والتّفكير الخلاق،وغياب الإيمان بربط الجامعة بالمجتمع، وضعف الوطنيّة وتراجع الإخلاص للوطن،وعدم اتخاذ البحث العلميّ الهادف لحلّ المشاكل الوطنيّة،مثل المشاكل البيئيّة والصّحيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.ومن هذا المنطلق نستطيع القول إنّ التّدهور الذي شهدته مؤسّسات التّعليم العالي مردّه إلى ضعف القابليّة التّأهيليّة لكوادره، بالإضافة إلى عوامل كثيرة أخرى تضافرت جميعاً لخلق حالة الإخفاق في توفير مستلزمات المنافسة في عهد العولمة. ولذا لم تستطع أيّ جامعة عراقيّة للوصول إلى أيّ مرتبة في التّقييم لمستوى أفضل 500 جامعة على مستوى العالم ضمن تصنيف شنغهاي العالميّ،او اي تصنيفات عالمية أخرى،على الرّغم من أنّ ست جامعات إسرائيليّة وثلاث جامعات سعوديّة وجامعة واحدة مصريّة ظهرت في تلك المجموعة لعام 2013.
وعندما نعود لتاريخ تلك الجامعات الإسرائيليّة نجدها قد استحدثت بعد مؤسسات التّعليم العالي العراقيّ والعربي بسنوات عديدة، إذ كان عدد الجامعات العربيّة القائمة عام 1953 هو إحدى عشرة جامعة، وحالياً بلغ عددها أكثر من 500 جامعة، والمسجّل منها في اتحاد جامعات الدّول العربية هو 260 جامعة حكوميّة وأهليّة . ودخل التّنافس بين الجامعات العالميّة في جودتها من خلال المجالات المتعدّدة،منها: الأكاديميّة العامة والأساسيّة المعتمدة على نسبة عدد الطلبة لعدد الأساتذة وعدد الدّرجات العلميّة العالية لأعضاء الهيئات التدّريسيّة،وعدد البحوث المنشورة في مجلات علميّة ذات معامل التأثير العالي وعدد التّدريسيين المشاركين في مؤتمرات عالميّة وعدد الجوائز العالميّة التي حصلت عليها الجامعة لبراءات الاختراع أو جوائز نوبل ومدى تحديث المناهج الدّراسيّة، أو الالتزام بالطّرق الحديثة في التّعليم، وعدد الكتب والمجلات العلميّة المتوفّرة في مكتبات الجامعة أو المؤلّفة والصّادرة من الجامعة، بالإضافة إلى معايير أخرى- أقول ليس هذا فقط – وإنما بدأ تصنيف جودة الجامعات بحسب جودتها في التعليم والتعلم أو جودتها في البحث العلميّ وعدد براءات الاختراع الصّادرة منها والمموّلة من قبل مؤسّسات من خارج الجامعة أو من المؤسّسات الحكوميّة أو من شركات خاصة، لنجد أنّ الجامعات العراقيّة قد حصلت على تمويل من الحكومة لبراءة اختراع واحدة خلال الخمس عشرة سنة الماضية ،وبالمقارنة مع الجامعات العالميّة التي تم تمويل نشاطها البحثيّ ليس من الحكومة فحسب،وإنّما من الشّركات والمؤسّسات الخاصّة والمساهمة،وحتى على مستوى الأشخاص نجد أنّه قد بلغ عدد تلك المشاريع في بعض الدّول مئات الألوف.
وعلى الرّغم من التّحديات الحاليّة وثقل إرث التّراجع في مؤسّسات وزارة التّعليم العالي والجّامعات العراقيّة فإنّنا نلمس أنّ ثمّة خطوات مشرقة حصلت في العراق،وتحسب لصالح مؤسّسات التّعليم العالي ولصالح منتسبيها فيما بعد عام 2003.
ويمكن تلخيصها فيما يلي :-
1- زيادة رواتب منتسبي وزارة التّعليم العالي في مختلف درجاتهم، وتميّزهم على باقي الوزارات ومنذ عام 2005،وإصدار قانون الخدمة الجامعيّة رقم (43) لسنة 2008 وتعديلاته رقم (94) الذي صدر في 17/12/2012 ورقم (1) لسنة 2014 الذي صدر في 3/2/2014،الذي أشار في إحدى فقراته إلى منح الباحث مكافآت مجزية ومشجّعة للبحث المنشور في المجلات ذات معامل التّأثير العالي بالاضافة لميزات اخرى.
2- الانفتاح على المؤسّسات العلميّة في شتّى أنحاء العالم،وتنظيم دورات تطويريّة للقيادات العليا في الوزارة والجّامعات وللإداريين والتّدريسيين ،وذلك اعتباراً من نهاية عام 2003 .
ويمكن تلخيص برامج تطوير أعضاء الهيئات التّدريسيّة في ما يلي:
أ – تخصيص مبالغ لإيفادات أعضاء الهيئة التّدريسيّة للمشاركة في المؤتمرات الوطنيّة والعالميّة،واستثمار المبالغ لإيفاد آلاف التّدريسيين ومن شتّى الجامعات من التخصّصات كافّة دون تميز، ومثال على ذلك نجد أنّ عدد المشاركين في مؤتمرات خارج العراق لجامعة الكوفة للفترة الممتدة بين 2006-2011 تجاوز الـ(600) من مجموع (1900) تدريسيي الجامعة .
ب- عقد الاتفاقيات العالميّة لتطوير قطاع التّعليم العالي لتدريب أعضاء الهيئة التّدريسيّة وتأهيلهم لبعض المهارات والتّخصّصات الدّقيقة والمموّل بعضها من قِبل الدّولة والأخرى من قِبل منظمات دوليّة،مثل اليونسكو أو البنك الدّوليّ أو المركز الثّقافيّ البريطاني أو هيئة التّعليم العالي الأمريكي. وتحصيل التّمويل يعتمد على سعي الجامعة وبرامجها العلميّة،وقد حصلت جامعة الكوفة على تمويل لتأهيل البرامج الدراسية وتدريسيي ثلاثة أقسام علميّة من هيئة التّعليم العالي الأمريكيّ. وحصلت كذلك على تمويل لتأهيل البرامج الدّراسيّة والتدريسين لخمس تخصّصات من المركز الثقافي البريطانيّ، وتركّزت البرامج في التّدريب على طرائق التّدريس الحديثة للتخّصّصات كلّها، وتحديث المناهج الدّراسيّة،وتطوير برامج التّعليم الإلكترونيّ، والإطلاع على الأجهزة الحديثة في التّعليم التّطبيقي والمختبري .
ج- إطلاق برنامج تطوير أعضاء هيئة التّدريس من الوزارة عام 2006، وذلك بإيفاد التّدريسيين لمدة شهر لشتّى الجامعات العالميّة للاطلاع على المناهج الدّراسيّة للدّراسات الأوليّة والعليا،ومعاينة طرائق التّدريس،وزيارة مكتبات الجامعات وبرامج الجودة والمختبرات .
د- البعثات البحثيّة : السّماح لطلبة الماجستير والدّكتوراه ممّن لم تتوفر لهم أجهزة البحث وأدواته داخل العراق بالاتفاق مع مراكز بحوث أو أساتذة في الجامعات العالميّة بالسّفر والإقامة فيها لإكمال بحوثهم وبواقع ثلاثة أشهر للماجستير وسنة للدكتوراه .
هـ – إيفاد المشرفين على طلبة الدّراسات العليا والملتحقين ببرنامج البعثات البحثيّة في الجّامعات أو المؤسّسات العلميّة العالميّة لمدة شهر برفقة طلبتهم للاطلاع على المستلزمات التي ستساعد الطّالب في إكمال بحثه وتثبيت خطّة عمله بالمشاركة مع الجهة المستضيفة .
و- السّماح بالإشراف المشترك بين تدريسي الجامعات العراقيّة والجامعات العالميّة التي لديها رسائل ومذكرات تفاهم مع الجامعات العراقيّة.
3- ضمن الموازنة السّنويّة يتمّ تخصيص مبالغ في الخطّة الاستثماريّة لعملية البناء وتأثيث المباني التي تكتمل وشراء الأجهزة للمختبرات ،وتخصيص مبالغ أخرى للخطّة التّشغيلية ولأبوابها الكثيرة،وتتضمّن أبواباً لشراء الكتب والحاسبات والسّيارات والمستلزمات المختبريّة والإيفادات والمؤتمرات،ومقدار المبالغ يعتمد على نشاط الجامعة وشفافيتها في الصّرف،ومثال على ذلك التّخصّيصات التي كانت ترصد لجامعة الكوفة للخطّة الاستثماريّة للأعوام الممتدة بين 2006 – 2011 البالغة (12) مليار دينار سنويّاً للخطّة الاستثماريّة، ولكن الإضافة التي حصلنا عليها في عامي 2008 و2009 بلغ مقدرها (16و11 مليار دينار على التوالي) بوصفها ميزانيّة تكميليّة بعد أن تمّ صرف المبلغ الأساسي. وحصل ما يشبه ذلك للميزانيّة المخصّصة للخطّة التّشغيليّة حيث تمّ شراء ست جثث تعليميّة بمبلغ فاق المليار دينار عراقيّ،كما تمّ شراء أجهزة ليزر لكليات الطّب وطبّ الأسنان ومختبرات تعليميّة للجثث الشّبيهة لكلية الطّب وثلاثة مايكروسكوبات إلكترونيّة لكليّات الهندسة والطّب والعلوم فاقت مبالغها الـ6 مليارات دينار عراقيّ .
4-وضع برامج في الوزارة لتوفير خدمة المكتبة الافتراضيّة بكتبها ومجلاتها الالكترونية لتوفير خدمات الدّخول الإلكترونيّ إلى المكتبات العالميّة لتصفّح مئات الآلاف من الكتب والمجلات العلميّة،ليس للتدريسيين فقط، وإنّما لطلبة الدّراسات العليا كذلك.
5-دعم الوزارة ماديّاً للمشاريع الرّياديّة التي تُطرح من قِبل الجامعات التي لديها مبادرات تطويريّة،ومثال على ذلك :
أ- ربط جميع وحدات الجامعة وأقسامه التّكنولوجيّة بشبكة متكاملة لتفعيل خدمة الإنترنت والانترانيت.
ب- تزويد معظم الجامعات بالأجهزة الالكترونيّة المتخصصة لتفعيل خدمة المؤتمرات الفديوية التي تربط بين الجامعات والوزارة أو بين الجامعات فيما بينها أو بين الجامعات و العالم الخارجي .
ج- بناء المستشفيات الجامعيّة التّخصّصيّة لتدار من قِبل الجامعة نفسها بدل وزارة الصّحة .
د- فتح المختبرات الدّاعمة للعلوم والتّخصصات الحديثة لتفعيل برامج الجزيئات المتناهية الصّغر والطّاقة النّظيفة والهندسة الحيوية بالإضافة إلى التقنيات الحديثة .
والجدول في ادناه يشير للمبالغ التي خصصتها الوزارة للمشاريع الريادية للسنوات 2008-2014 والتي بلغ مجموعها ما يقارب ال75 مليون دولار امريكي وكما يلي:
تخصيص
2014 تخصيص
2013 تخصيص
2012 تخصيص
2011 تخصيص
2010 تخصيص
2009 تخصيص
2008 الكلفة الكلية(مليار)
دينار اسم المشروع
4 4,75 6 6,4444 4,942 1 3,0 25 المشاريع البحثية للتدريسين
0,5 0,5 0,75 1,468 988, 0,55 0,5
5 بحوث الطاقة الجديدة والمتجددة
0,5 0,5 0,5 1,572 0,846 0,4 0,532 2,744 بحوث الادوية والمبيدات
0,5 0,5 0,75 1,213 0,509 0,5 0,399 7 بحوث النباتات الطبية
6 1,2 1,5 6,955 4 1,12 3,988 50 بحوث طلبة الدراسات العليا
11,5 7,45 9,5 17,652 11,285 3,57 8,919 89,744 المجموع

6-اعتماد مبدأ الموافقة على الدّراسة خارج العراق بوصفه مشروعاً استراتيجيّاً من قِبل الدّولة والوزارة على مستوى محافظات العراق كلّها،وتعميم هذا المبدأ على المواطنين جميعاً دون تميز وفق مؤهلاتهم ورغبتهم ضمن ضوابط للمنافسة،وذلك وفق البرامج التّالية :-
أ- النّفقة الخاصة : السّماح لمن يرغب بالدّراسة خارج العراق في شتّى التّخصّصات خارج العراق على حسابه الخاص في الدّراسات الأوّليّة والعليا،وذلك منذ عام2003.
ب- البعثات : إطلاق برنامج البعثات الدّراسيّة من قِبل وزارة التّعليم العالي اعتباراً من عام 2005 للدّراسات العليا ماجستير ودكتوراه وتوزيع (1000) بعثة وفق النّسب السّكانيّة للمحافظات.وقد وُضعت خطة لابتعاث (10000) طالب لدراسة الدكتوراه عام 2011، ووزّعت خطة الابتعاث وفق التّخصصات، ليكون 25% منها للتّخّصصات الطّبية، و25% للتّخصّصات الهندسيّة، و20% لتخصّصات العلوم الصّرفة، و10% للتّخصّصات الزّراعيّة، و10% لتخصّصات الطّب البيطريّ، و5% لتخصّص القانون، و5% لتخصّص اللّغات، وكذلك وزعت خطّة الابتعاث على النّسب السّكانيّة للمحافظات العراقيّة.
ج- مبادرة رئاسة الوزراء : أطلق برنامج لابتعاث (1000) طالب للتّخصّصات النّادرة من قِبل رئاسة الوزراء في عام 2009،ووزّعت وفق النّسب السّكانيّة لجميع المحافظات .
د- الإجازة الدّراسيّة : إطلاق برنامج الإجازات الدّراسيّة للدّراسات العليا خارج العراق ولكافة الوزارات ومن ضمنها وزارة التعليم العالي والمؤسسات التابعة لها وفق حاجتهم للكفاءات ذات الشّهادات العليا في شتّى التخصّصات.
هـ- الزّمالات الدّراسيّة : الإفادة من المنح الدّوليّة أو من بعض المؤسّسات والمنظّمات للدّراسة خارج العراق،والسّماح لجميع العراقيين دون تمييز بالانخراط فيها،ومنح المساعدات الماليّة لمن يرغب بالتّعاقد مع الدّولة للعمل فيها بعد انتهاء دراسته.
7- التّوسع في إتاحة الفرص لجميع المواطنين للدّراسة الجامعيّة الأوليّة والعليا،واعتماد مبدأ مجانيّة التّعليم،معتمدين على الآليّات التّاليّة :-
أ- استحداث جامعات شاملة أو عامّة في المحافظات التي لا تتوفّر فيها جامعات لتضمّ كليّات وأقساماً علميّة في شتّى التّخصصات. ومنذ عام 2011 بدأ التّركيز على استحداث الجامعات التّخصصيّة لاستيعاب الطّلبة خريجي الدّراسة الإعداديّة وفق زيادتهم السّنويّة التي تقدّر بـ6-7% بوصفها معدلاً لمجموع المحافظات العراقيّة التي وصل في بعض المحافظات إلى ما يقارب الـ17% .
ب- فتح الدّراسة المسائيّة لإتاحة الفرصة لمن لديهم الرّغبة في الدّراسة التي لم تتوفر لهم خلال سنوات ما قبل عام 2003 لأسباب ماديّة أو اجتماعيّة أو لعدم توفّرها في محافظاتهم أو لأسباب أخرى .
ج- فتح الجامعات والكلّيات والمعاهد الأهليّة لإتاحة الفرصة لجميع العراقيين للتّعليم والحصول على الشّهادات في شتّى التّخصصات حتى لمن كانت لديه شهادة جامعيّة في تخصّص معين،ويرغب في دراسة تخصّص آخر بوصفه هواية أو لدعم تخصّصه الأصلي أو الأوليّ،أو لتوفير فرص عمل للخرّجين الجدد والاستفادة من المتقاعدين من الأكاديميين،ولإعادة مكانة العراق العلميّة والثّقافيّة ليكون رافداً بالكوادر العلميّة لباقي دول المنطقة كما كان عهده سابقاً.
8-برامج الجودة : أُستحدثت هيئة في الوزارة لتفعيل برامج الجودة والاعتماد الأكاديميّ في مؤسّساتها واستحداث أقسام في الجامعات الحكوميّة للغرض نفسه، وتمّ الاعتماد على معايير الجودة المعتمدة من قِبل اتحاد الجامعات العربيّة،وبعض الجامعات بادرت ذاتيّاً لتفعيل معايير الأيزو لبعض أقسامها الإداريّة أو تثبيت المعايير الدّوليّة لبعض التّخصّصات،مثل معايير الـ ABET للأقسام الهندسيّة والحاسبات على ضوء المبادرات والمنافسة مابين الجامعات لاعتماد بعض المعايير للدّخول إلى بعض التّصنيفات العالميّة .
وقد دخلت بعض الجامعات العراقيّة ضمن تصنيف أفضل (12) ألف جامعة في عام 2009 حسب جودة ومعايير ونشاطات علميّة مؤشّرة في الموقع الإلكتروني للجامعة ومعتمدة من قِبل المؤسّسات الإسبانيّة التي تُسمى الويب ماتركس حيث يجرى التقييم مرتين في كلّ سنة،ويتمّ الإعلان عنه في نهاية شهر كانون الثاني وتموز من كلّ عام. وقد دخلت ست جامعات عراقيّة لأوّل مرة نهاية عام 2009، وكانت الجامعة التّكنولوجيّة هي أفضلها، وبتسلسل أكثر من ثمانية الآف، ولكن ظهرت إحدى عشرة جامعة عراقية ضمن نفس التصنيف عام 2010 وعام 2011،وكانت في مقدمتها جامعة الكوفة لتحصل على المرتبة الأولى عراقيّاً بتسلسل 5052 عالميّاً و 77 عربيّاً ،ممّا حفّز جامعات أخرى لتحفيز منتسبيها لاعتماد معايير الجودة وثقافتها التي لم تكن معروفة قبل عام 2003.
9-تشجيع إقامة المؤتمرات : لوحظ في عراق ما بعد عام 2003 إقامة كثير من المؤتمرات والنّدوات على صعيد كثير من دوائر الدّولة ومؤسّساتها التّعليميّة والثّقافيّة ومؤسّسات المجتمع المدني، وخُصّصت مبالغ ضمن ميزانيات تلك المؤسسات بهدف استنهاض العقول والحصول على الأفكار لعملية إصلاح الأداء والتّقويم واعتمادها رافداً للتّنمية البشريّة. ومن المؤتمرات المهمة مؤتمرات إصلاح التّعليم العالي واستقلاليته التي أُقيمت في أربيل عام 2006 وفي الكوفة عام 2007 ومؤتمر عودة الكفاءات الذي أقيم عام 2009 ،وقد أُستثمرت بعض من توصياته ضمن قانون الخدمة الجامعيّة وضمن التّعليمات والضّوابط المعتمدة حالياً في وزارة التّعليم العالي. ولكن ما يؤسف له أنّ بعض المؤسّسات لا تلتزم بتوجيهات الوزارات وتوجّهات السّلطة التّنفيذيّة علماً بأنّ استراتيجيّة التّربية والتّعليم 2011-2012 التي أُطلقت عام 2012 قد تضمّنت في نصوصها ضرورة عودة كفاءات الخارج .
لذا فان الكفاءات العراقيّة في شتّى التّخصّصات هي ثروة وطنيّة ينبغي الإفادة منها،وذلك باعتماد الأساليب الآتية :
1- تكليف الدّوائر الثقافيّة في شتّى دول العالم لتشخيص الكفاءات العراقيّة ذوي الشّهادات الأكاديميّة والمهنيّة العليا،ممن استمروا في العمل في تخصّصهم في المؤسّسات العلميّة والأكاديميّة والمهنيّة في بلدان المهجر، وإعداد قواعد بيانات لكافة المعلومات بشأنهم،والتّواصل معهم لاستثمار أفكارهم ومبادراتهم التي تكرّس لخدمة مصالح العراق والعراقيين.
2- تكليف منتسبي الدّوائر الثقافيّة للتواصل مع الجمعيّات العلميّة والمهنيّة التي تشكّلها الكفاءات العراقيّة في المهاجر، واستضافتهم، وتشجيع آخرين من نفس تخصصهم للانضمام إليهم ليكونوا عنصر وصل فيما بينهم. والعمل باستمرار على إشاعة ثقافة أنّ تلك الدوائر هي بيت يجمع الكفاءات العراقيّة،ويستثمرها،وينقل معاناتها إلى المسؤولين داخل العراق.
3- اعتماد الدّوائر الثقافيّة للتحقّق من شهادات الكفاءات الرّاغبين في العودة وتصديقها وإيصالها إلى الوزارة لتقييمها ومعادلتها وإعلامهم بعد اكتمال الإجراءات وهم في بلد المهجر من دون مراجعة الدوائر الرسمية في العراق .
4- اعتماد الدّوائر الثقافيّة للتّواصل مع الجّامعات والمؤسّسات العلميّة في بلد تواجد الدّائرة وبالتّعاون مع الكفاءات العراقيّة في ذلك البلد ورصد إنجازاتها العلميّة وكلّ ما يفيد في تطوير المؤسّسات العلميّة العراقيّة ومنتسبيها،مثل رصد التّخصّصات الحديثة والبحوث والدّراسات العلميّة والمناهج الدّراسيّة وطرائق التّدريس الحديثة والبحوث والدّراسات والمؤتمرات والنّدوات والورش أو الدّورات التي تساهم في تطوير الكوادر العراقيّة وإعلام الجهات المعنية في داخل العراق لاتخاذ الإجراءات المناسبة من قبلهم بالمشاركة أو بغيرها .
5- تشجيع أبناء الكفاءات لزيارة العراق والمؤسّسات العلميّة العراقيّة والتّخطيط للإفادة منهم بوصفهم جيلاً ثانياً من الكفاءات العراقيّة التي يمكن أن تكون ضمن الشّريحة الأولى .
6-اعتماد التّقنيات الإلكترونيّة للإفادة من الكفاءات عن بعد بتغطية بعض المحاضرات للدّراسات الأوليّة أو العليا أو بمشاركتهم في السّمنارات أو الورش العلميّة أو المؤتمرات بحضورها عن بعد .
7- التأكيد على الجامعات العراقيّة لاسضافة كفاءات الخارج في مؤتمراتهم وتكليفهم لإلقاء المحاضرات للدّراسات الأوليّة أو العليا واستثمار التّخصّيصات المبوّبة في الميزانيّة التّشغيليّة للجامعة لمنحها لتلك الفعاليات وصرفها عليها.
التّوصيات :
تشكيل مؤسستين تتبعان لأعلى سلطة تنفيذيّة في الدّولة،وهي رئاسة الوزراء،لتكون لها الصّلاحيات لمخاطبة الوزارات أو أي مؤسّسات أخرى لتنفيذ ما تصدره من أوامر،وذلك يستقيم وفق الآتي:
المؤسّسة الأولى : دائرة إعادة التعيين
تُعنى بجرد الكفاءات بالاستعانة بالدّوائر الثقافيّة في دول المهجر ودراسة سيرهم الذّاتيّة والعلميّة وتسهيل معاملات عودة من يرغب منهم وتعيينهم في المؤسّسات والمحافظات التي يرغبون في الاستقرار فيها دون أخذ موافقة تلك المؤسسات بشأن حاجتها لتلك الكفاءات أو التخّصصات على أن يكون هنالك علاقة بين أداء تلك الدّائرة وتخصصاتهم . كذلك يجب محاربة البيروقراطية والرّوتين في استكمال معاملات عودتهم وإصدار المستمسكات الواجب توفّرها لاستمرار ممارسة حياتهم ومعيشتهم في وطنهم الأم ،وهو العراق مع توفير السّكن الملائم واللائق لهم ولعوائلهم.
المؤسّسة الثّانية : دائرة استثمار مبادرات الكفاءات وتفعيلها
تُعنى بالتّواصل مع الكفاءات التي لا ترغب في العودة، ولكن لديها الرّغبة في التّواصل مع المؤسّسات العراقيّة في صدد مشورة أو خبرة أو مبادرة لتحسين أداء دائرة او مؤسّسة أو تصحيح مسار لعمليّة معينة أو لحلّ مشكلة صحيّة أو اجتماعيّة أو بيئيّة أو اقتصاديّة أو أيّ آليّة تُساهم في تطوير تلك المؤسّسات في أيّ مفصل من مفاصلها وبالاشتراك والتّعاون مع الكفاءات والكوادر العلميّة والمهنية داخل العراق .
لذلك نتمنى أن تُؤخذ هذه الدّراسة بعين الاعتبار والتّطبيق بوصفها خطوة مهمة لمشروع التّنميّة البشريّة والتّنميّة الشّاملة لارتقاء العراق والعراقيين.