أعضــاء هيئــة التدريس ... وتأثيــــرهم في التنميــة
التعلم حق من حقوق الانسان ، ويعتبر استثمار في الانسان نفسه من اجل التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية ، واداة لإنتاج رأس مال بشري لتمكين المجتمع من السباق والتنافسية العالمية . وقد جاء التعليم في أولويات البرامج التنافسية بين القادة والسياسيين في المجتمعات المتقدمة التي تتطلع الى تعليم يهدف الى اعداد انسان دائم التعليم ، يتعلم ليعمل ويتعلم ليتعايش مع الاخر ، ويتعلم لتحقيق ذاته وطموحه ولتفعيل إمكاناته وقدراته ومهاراته في مجال الابداع والابتكار ، ويتطلع الى تعليم يؤدي الى صياغة شخصية تنافسية علميا وثقافيا ومهنيا .
ان المؤسسات التعليمية تساهم بشكل مباشر او غير مباشر في العقول والادراك وإنتاج المعرفة ، ومن ثم فان دورها الأساسي لا يتمثل في مجرد إعطاء الطالب المعلومات فقط بل يتعدى ذلك الى تشكيل السلوك والشخصية الإنسانية والمهنية المتوازنة والأكاديمية القابلة للتعلم ذاتيا . ان رسالة المدارس والجامعات تتمثل أساسا في صقل قدرات الطلاب وزيادة قدرتهم على الفهم والتحليل والنقد ، والاستيعاب للمناهج المعرفية المختلفة ، وكيفية استخدامها ، ولن ينجح ذلك دون الاهتمام بالنواحي السلوكية والتربوية.
ان نجاح قطاع التربية والتعليم يجب ان يبدأ ويخطط له في الأول مع تهيئة التدريسي (المعلم او المدرس او تدريسي الجامعة) المتمكن القادر على توفير بيئة تعليمية تفاعلية للطلبة يراعى قدراتهم واستعداداتهم ويستثمر عقولهم على نحو سليم ، ليكون الأساس في بناء قدرات الطلبة المتكاملة في مجالات المعرفة جميعها ، ويعـــــد التدريسي الأولوية الأولى والمهم لجميع عناصر التعليم الأخرى من مناهج وتكنولوجيا تعليم وغيرها من معززات ومحببات التعليــــم ، والمعلم المقصود هو من يحرك مسيرة تطور وتقدم التعليم مستقبلا من خلال دوره في قيادة العملية التعليمية بمستوياتها كافة ، لذا ان من الضروريات لمن يختار مهنة التعليم عليه ان يكون مرشدا امينا وموجها وناصحا وابا وقدوة وقائدا لطلبته لكي يعينهم على التعليم والتعلم الذاتي ، وتنمية قدراتهم الذهنية ومهاراتهم العملية ، وتشكيل شخصياتهم وانضاجها في مختلف ابعادها وجوانبها . لذا ان عملية اعداد التدريسيين وتدريبهم للقيام بدورهم التعليمي والتربوي من اهم القضايا ، والتي تعتبر ضمن معايير جودة المؤسسات التربوية ، والتي يجب ان توليها مؤسسات التربية والتعليم العالي الاهتمام الكافي لتحقيق اعلى المستويات في الأداء .
ولابد ان تكون عملية التدريب والتأهيل لأعضاء هيئة التدريس مستمرة وشبه دائمة ، بدءا من المرحلة الابتدائية حيث يتعامل المعلم مع صغار السن وممن يحتاجون الى الرعاية الابوية والاهتمام والمحبة كحاجتهم للغذاء ويجب ان يتمتع القائمون بهذه المهنة بالإضافة الى العلم والمعرفة والمهارات التعليمية وان يكونوا مسلحين ، بمهارات إنسانية تمكنهم من التعامل مع الأطفال وفهم سلوكهم والتنويع في شخصياتهم حتى يستطيعوا تحفيزهم وجعل المدرسة مكانا يشعر به الطفل بالمحبة والامن والطمأنينة ، لا مكان للقمع او العقاب او مكان لعبْ دراسي ثقيل.
اما المؤهلات التي يجب ان يتحلى بها المدرسين ، تدريسيي الطلبة في المرحلة الثانوية ، وهي المهارات المتعلقة بالتعامل مع الشباب وهم في مرحلة المراهقة وهي من المراحل الحرجة والتي تحتاج الى الاهتمام والرعاية والاستماع ومحاورة الطلبة وفهم احتياجاتهم ، وتعزيز السلوك الإيجابي لديهم ، وامتصاص ثورات غضبهم ، واحتضانهم بمحبة ، ورصد نقاط تميزهم واستثمارها لتأهيلهم وفق محور وتخصص ذلك التميز .
ان من تجارب الدولة المتقدمة في اعداد القيادات في المؤسسات التعليمية هو بزجهم في دورات تدريبية باستمرار لتعريفهم منهجية الإدارة والتخطيط وكيفية وضع خارطة طريق يعتمدها الجهاز التنفيذي ، المعلم ، المدرس ، تدريسي الجامعة ، كدليل عملي في رسم وتصميم المناهج التعليمية والرؤيا والخطة الاستراتيجية العامة وكيفية تعشيقها مع الخطط الجزئية التي تتناسب في مخرجاتها طرديا مع هرمية احتياجات القطاعات المجتمعية والمؤسساتية المختلفة . ان التركيز على المنهاج التعليمي للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة ، وبنسبة 60-70% ، على المنظومة التعليمية في التربية الشخصية وقواعد التعايش والمحبة واحترام الغير والوقت والنزاهة بالإضافة للمفاهيم العلمية تبقى بنسبة 30-40% ، مع ضمان النجاح لجميع الطلبة .
يتم تغيير مخطط ومناهج المرحلة الإعدادية بتقليل التركيز على المناهج ذات البعد التربوي وزيادة مفردات المناهج ذات البعد العلمي الخدمي المهني وتأهيلهم كمتعلمين في أسس الخدمات ، لذا يفشل البعض منهم ممن يتميز بالتركيز على العضلات اكثر من العقل .
وعند الانتقال الى الحياة الجامعية وهي مرحلة الشباب اليافع والذي يحتاج عناصره في هذه المرحلة الى الإحساس بكيانهم واهميتهم ، كما تزيد رغبتهم في التعبير عن آرائهم ، لذا ان التدريسي الجامعي يجب ان يتعامل مع المتعلمين باحترام ومحبة وهدوء وروية وان بوجههم نحو طرق التعبير عن آرائهم بطرق منطقية مقنعة للأخرين ليؤثر بهم إيجابيا سواء على المستوى العلمي او على مستوى تشكيل الشخصية .
وتجارب العالم المتقدم هو اعتماد المرحلة الجامعية الأولى لتصفية الطلبة الغير قادرين على الاستمرار بالدراسة والتعلم . لذا يتم توجيههم ليتولوا الاعمال الخدمية والحرف المتوسطة في مختلف القطاعات . اما المرحلة الجامعية الثانية ، فستكون استكمالا للمرحلة الأولى ، ليكون مجموعهم النسبة الأعلى من الشبان ذوي المؤهلات المتوسطة ، وممن لم يرغبوا الاستمرار ، او لم يتمكنوا من الدراسة الاكاديمية حيث يتم توجيههم للدراسة في المعاهد الفنية لتأهيلهم مهنيا ليتولوا تمشية خدمات المجتمع ومؤسساته في مختلف قطاعاته الصناعية والتجارية والصحية والزراعية ، وليكونوا أصحاب المشاريع الصغيرة والقطاع الخاص او ضمن الكادر المساند في معظم المؤسسات الحكومية او شركات القطاع الخاص .
اما من يستمر في الدراسة الاكاديمية فهم النخبة والنسبة العليا في مخرجاتها والتي سترفد الحياة العملية المجتمعية بمختلف قطاعاتها وتخصصاتها ، وكذلك سيؤهل نسبة قليلة منهم بعد انخراطهم في الدراسات العليا وفي مختلف التخصصات وليرفدوا المؤسسات الاكاديمية او المهنية التي تحتاج لخدماتهم ، وبعضهم سيكون رائـــدا في تخصصه وقياديا في مجال مهنته .
لذا ان العنصر المهم الذي يساهم في تنمية شخصية المتعلمين هو المعلم او التدريسي في مختلف تسمياته ( معلم او مدرس او تدريسي جامعي ) ، ويجب ان يكون ذو مؤهلات وامكانيات في زراعة روح المحبة والخير والتسامح مع السلوكيات التربوية ، بالإضافة الى المؤهلات العلمية والعملية التي تتناغم مع حاجة المجتمع والسوق لتنتج لنا شخصيات متوازنة مفيدة لنفسها والمجتمع ومؤسساته الرسمية والخاصة.